هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 

 العصافير والسلك قصة قصيرة طارق لحمادي

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
tareklm

tareklm


ذكر
عدد الرسائل : 6
العمر : 55
تاريخ التسجيل : 17/09/2008

العصافير والسلك   قصة قصيرة     طارق لحمادي Empty
مُساهمةموضوع: العصافير والسلك قصة قصيرة طارق لحمادي   العصافير والسلك   قصة قصيرة     طارق لحمادي I_icon_minitimeالجمعة 03 أكتوبر 2008, 7:56 pm

الفضاءُ عينُهُ ، زرقة ٌ لم تمت ، غير أنها تضيقُ هنا وأنا أواجهها فيما تتسع هناك حين أرنو إليها .. لكن النهايةَ موت ...

أما البداية فقد كان السلك مغرٍ ، ذلك الذي يمنح تجلٍّ أعمقَ لكائناته الصغيرة والجميلة ، وهي تتخذ منه ملاذا لراحة أجسادها .

- الشجرةُ ملتفةُ الأغصانِ ، أوراقها تحجب الرؤية .. يتنقل العصفور بحريتهِ الكاملة دون أن يتركَ لي فرصة ً للتسديد ..

قلت له :

- والسلك ؟...

قال :

- يعطيني مجالا أوضح ..

* * *

كما في كل طفولة ، يغوى الاحساس بابتداع صنوفٍ من اللعب .. يصرّ هو على الصيدِ ، يقتطعُ من شجر الزيتون غصنا صغيرا متشعبا ، ليشكل به أداةَ قتلِه ..

يتربّصُ ، يُلجمُ الحركةَ ، ويحبسُ النفس ، ويرنو بهدوءٍ إلى الأغصان .. خطواتُه محاذرة وفي عينيه سؤالُ الموتِ ..

تعيقُه الأغصانُ عن التسديد ، فيتحول الى السلك .. يتراجع .. يختار اللحظة والفريسة والتجلّي .. ويصعقُ العصفور .

من قلبِ العشبِ يلتقطُ جثة ً صغيرة ، ينفخُ في ريشها فيطلُ فمُ الجرحِ ..

تستبدّ بهِ نشوةُ القتلِ ، بلا هدفٍ يسفحُ الدمَ ويضحك .. يرمي الجثت الصغيرة في عراء الأمكنة ، ويضجُّ بالحديث :

- عصافيرُ السلكِ لا مجالَ لها للإفلات من ضربتي ..

- لماذا لا نلعبُ لعبةً أخرى ؟..

يتنقل بخطواته الصغيرة الحذرة ، و(التيربولات)* في يديه وهو يقول :

- هاتِ لي ألعابا وسأكفّ عن الصيد ...

يحطُّ طائرٌ على حدودِ الموتِ .. فوقَ السلكِ يتجلّى .. يحفر بمنقارهِ في ريشه .. يحركُ رأسهُ بقلقٍ .. يتبرز .. وينظر في فضاءٍ أزرق .. نفس الفضاء الذي يضيق بي هنا وأنا أتربّص ، ألجمُ الحركةَ ، وأحبسُ النفسَ ، وأرنو بهدوء إلى صورتها ..

على نفس السلك نحط نتخذ منه ملاذا لراحة أرواحنا ..

- ٌالحياةُ محبطةٌ والواقعُ موجع .

قلت لها .. وهذا الحب الذي لا يصحو إلا وهما ..

قالت .. يعطيني أملاً في الحياة ..

العصافير تصطفُّ على امتدادِ السلك .. وفي الليلِ تتحولُ هي إلى عصفورة على الطرف الآخر منه ..

يضاءُ الفضاءُ الأزرق ، يعود صاحبي بتيربولاته وهو ينقل موته محاذرا ، حابسا أنفاسه ، متربصا بقلقه ..

- أُنظرْ إليه ..إنه يستمتع بوقفته على السلك .. همسَ لي .

فصرخت ...

- لا تفعل .. لا تقتله ...

مثل صعقةِ كهرباء ، سريعة ً ، محمومة ً، مرواغة ً.. كانت الضربة، وكانَ العصفورٌ جثة ً على الأرض ..

نظرتُ إليها عبر الليل ِ وعيناي غارقتان في دموع ٍ كسيرة ، وأذناي ترهفان السمعَ وهي تسأل :

- هل مات ؟ ..

عصافيرٌ كثيرةٌ تموتُ ، تهربُ من أفخاخِ الأرضِ إلى آمال السلك .. فتلقى حتفها ..

- هل سنموت نحن ؟..

يصرخ بي وهو يسدد ضربته للعصفور :

- اعطني واقعاً يليق بي وأعدك بأن لا نموت ..

أرنو لفضاءٍ أزرقٍ يقطعه سلكٌ أسود ، يتراءى لي العصفورُ نقطة ً سوداءَ ، نحط على نفس السلك ، نتنفس الخوفَ ونتنهد ..

الأرضُ تضيق .. جسدي باردٌ .. يرتعشُ ريشُ العصفور تحت صفعةِ يدِ الريحِ ، قبلَ موته .. شقشق .. مسحَ الأرضَ بنظرتِه الخائفة ...

يهمس لي وأنا أتبعه :

- لا تُثر حركة ..

أتجمد في وجه الفضاء الأزرق الصغير ، آلاحق تفاصيل وجهها .. وحركة اهتزازه على السلك ..

الآن ..

وصعقه بلا رحمة .

* * *

كان الليل باردا لأبعد حد .. حين قتله .. وكنتُ أحتضرُ من بردٍ يحفُّ سنواتي الطويلة .. طرت بجناحين إلى السلك بحثا عن الدفء .. جسدي يرتعش وجسدها يتلوى .. احتضنتني فأحتويتها .. وغفونا ...

مثلَ صعقةِ كهرباء ، سريعة ً ، محمومة ً، مرواغة ً.. كانت اليقظة .. وكان السلكُ يهتز .. يتداعى .. يمتد .. ونحن نـ...مـ...و..ت ..

ــــــــــــ

*

اسم فرنسوي لأداة صيد تصنع من اغصان الأشجار
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://tarek-lahmadi.maktoobblog.com
نور

نور


انثى
عدد الرسائل : 17
العمر : 37
العمل/الترفيه : طالبة
تاريخ التسجيل : 18/03/2009

العصافير والسلك   قصة قصيرة     طارق لحمادي Empty
مُساهمةموضوع: رد: العصافير والسلك قصة قصيرة طارق لحمادي   العصافير والسلك   قصة قصيرة     طارق لحمادي I_icon_minitimeالسبت 21 مارس 2009, 3:25 pm

القصة جميلة اوى اوى زى كل ما تكتبة لة مضمون وهدف


وكمان حسيت وانا بقراها انها بتمثل دينيتنا وازاى كل حاجة جميلة بتختفي من حياتنا وبنكون احنا

السبب لاما بجهلنا او قلة حيلتنا وازاى ممكن يكون الصعف في ايدنا قوة بس علي الصعف منا


مشكور اوى علي القصة الجميلة دية وعلي احساسك الجميل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
habib_alwafa




ذكر
عدد الرسائل : 98
العمر : 36
العمل/الترفيه : في الجش
تاريخ التسجيل : 09/03/2009

العصافير والسلك   قصة قصيرة     طارق لحمادي Empty
مُساهمةموضوع: رد: العصافير والسلك قصة قصيرة طارق لحمادي   العصافير والسلك   قصة قصيرة     طارق لحمادي I_icon_minitimeالأحد 22 مارس 2009, 12:23 am

waw


تقبلي مروري يا عزيزي تسلم يا مستر طارق علي القصه الرائعه ديها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
العصافير والسلك قصة قصيرة طارق لحمادي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتدى الأدبي العام-
انتقل الى: