[right]
عطاء إبليس
لمحة من صورة وأثر إبليس في الأدب الشعبي وكلام الناس
بقلم : إبراهيم كامل أحمد
إبليس في الكتب المقدسة جاء ذكر إبليس اللعين علي لسان المسيح عليه السلام حين قال لليهود : " أنتم عن أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا . ذاك كان قتالاً للناس من البدء ولم يثبت في الحق لأنه ليس فيه حق . متي تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له لأنه كذاب وأبو الكذاب " . وقد جاء ذكر إبليس أيضاً في رسالة يوحنا الرسول الأولي ( 3 : 8 ) " من يفعل الخطية فهو عن إبليس لأن إبليس من البدء يخطئ " ولم يرد ذكر إبليس في أسفار العهد القديم ، أما أسفار العهد الجديد فقد ورد فيها ذكره في أكثر من موضع . وإبليس هو اسم الشيطان وهو ترجمة الكلمـة العبريـة " شطن " ومعناها " مقاوم " ، وللشيطان أسماء أخرى في الكتاب المقدس منها :" ديابولس " وهي يونانية معناها "مشتك" و" ابدون " أى مهلك ، و " ابوليون " أى ملاك الهاوية ،و" بعلزبول "، و"بلبعال" ،و"رئيس هذا العالم "،و "رئيس الشياطين " ، و"رئيس سلطان الهواء"، و" الروح الذى يعمل الآن في أبناء المعصية "، و" إله هذا الدهر" ، و" القتال" و" الكذاب" ، و" أبو الكذاب "، و"المشتكي علي الأخوة "، و"خصمنا الأسد الزائر"، و"التنين" أى الحية القديمة، و " كبير الأرواح الساقطة " .
أما في القرآن الكريم فقد ورد ذكر إبليس أكثر من مرة .ويرد أول ذكر لإبليس في سورة البقرة فيقول تعالي : " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبي واستكبر وكان من الكافرين " ثم يذكره الله تعالي باسم " الشيطان " " فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولك في الأرض مستقر ومتاع إلي حين ".
ويرى الفيروز آبادى صاحب القاموس المحيط أن اسم إبليس مشتق من فعل أبلس أى يئس وتحير أو هو اسم أعجمي . وذكر " ابن دريد " أن قوماً من أهل اللغة زعموا أن اشتقاق إبليس من الإبلاس .
إبليس في الأدب الشعبي :نسج الأدب الشعبي العديد من الحكايات والأخبارمن لقاءات وحوارات جرت بين إبليس لعنه الله وأنبياء الله عليهم السلام . كما أفرز الوجدان الشعبي أمثالاً عامية تتصل بإبليس أضيفت إلي التراث الشعبي العربي إلي جانب مجموعة عن النوادر يمكن أن يطلق عليها " نوادر إبليس " منها ما هو مكتوب ومنها ما هو محكي . ولا ينبغي أن نغفل ما جاء عن إبليس في كتب تفسير الأحلام وتعبير الرؤيا . كما يجب ألا ننسي العادات والسلوكيات التي مارسها العرب ولا زالوا يمارسونها حتي يومنا هذا مع اختلاف حظهم عن التعليم وتباين نصيبهم من الثقافة ، والتي نتجت عن هذا الفيض من الأخبار والحكايات والنوادر الإبليسية تناول علماء المسلمين إبليس في أحاديثهم وفي كتبهم ،فهو عدو أبيهم آدم وبنيه إلي يوم القيامة . ومن أولئك العلماء ـ وهم كثر ـ الشيخ العلامة المحدث القاضي بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشبلي (ت 769هـ) ، فرغم أنه تناول إبليس باستفاضة في كتابه " اكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان " إلا أنه خصه بأبواب في الكتاب هي : الباب 84 (في أن إبليس هل كان من الملائكة ) ، الباب 85 ( في أن إبليس هل كلمه الله تعالي أم لا ؟) ، الباب 86 ( في خطأ إبليس في دعواه أنه خير عن آدم عليه السلام وتعليله بأنه خلق عن نار ) الباب 90 ( في بيان أى أعمال الشر أحب إلي إبليس ) ، الباب 96 ( في أفعال لم يسبق إبليس إليها ) ، الباب 97 ( في رنات إبليس لعنه الله ) ، الباب 98 ( في أن عرش إبليس علي البحر ) ، الباب 100 ( في جعل إبليس كل واحد من ولده علي شئ عن أمره ) ، الباب 124 ( في تكبر إبليس عن السجود لآدم ووسوسته له حتي أكل عن الشجرة ) ، وقد اهتم العلامة المحقق أحمد تيمور باشا أيضاً بإبليس . ولأحمد تيمور باشا إسهام رائد لا ينكر في جمع وتحقيق التراث الشعبي . ففي كتابه القيم " التذكرة التيمورية معجم الفوائد ونوادر المسائل " يذكر إبليس في حرف الألف ثم يحيل القارئ إلي مادة الشيطان في الشين المعجمة حيث يذكر: . قول النظام إن الله لا يقدر علي الشر ، وإن إبليس يقدر علي الخير والشر :في تلبيس إبليس رقم 110 تصوف ص 28 ، تسمية إبليس بطاووس الملائكة : مواكب ربيع رقم 1161 تاريخ ص 62 وفي ص 63 أن اسمه كان عزرائيل ، والكلام في إبليس هل كان عن الملائكة أم لا : الصعقة الغضبية رقم 515 نحو ص 268 ، . رد صفوان في شعر علي بشار في عذره إبليس في عدم السجود ورد غيره عن الشعـراء عليـه : البيـان والتبين رقم 65 أدب ج 1 ص 13 ـ 16 ، ( مجالس المغنين مع إبليس والجن ) في حلية الكميت رقم 206 أدب ص156 ـ160 : حديث اسحاق الموصلي مع إبليس و حديث أبيه إبراهيم معه وأخذهما غناء عنه وحديث آخر يشبهها ،وقد صرح المؤلف في آخر 158 ـ 159 أنها أحاديث خرافة .وترجع قيمة الجهد الذى قام به أحمد تيمور باشا إلي أنه نبه إلي مسائل وموضوعات تتصل بإبليس في عدد من مخطوطات التصوف والتاريخ والنحو والأدب ، وهو جهد مشكور مهد الطريق لغيره عن الباحثين .
وقد استعرضنا عملي الشبلي وتيمور كنموذجين من الأعمال العديدة لعلماء المسلمين عن إبليس ، والأول يمثل القدماء والثاني يمثل المحدثين . وقد اتخذ القاص والأديب الشعبي من تلك الأعمال العناصر التي مزجها وصهرها في بوتقة خياله ليصنع الأخبار و الحكايات والمناظرات والأمثال والنوادر التي يلعب فيها إبليس الدور الأساسي.
السخرية من إبليس في عناوين الكتب :استخدم العلماء اسم إبليس في عناوين كتبهم ، وسخروا منه وتهكموا عليه . من هذه الكتب : " تدليس إبليس " للإمام أبي حامد محمد بن الغزالي (ت505 هـ ) ،و" تلبيس إبليس " للشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزى (ت 597 هـ) ، قال ابن الجوزى في كتابه : الأنبياء جاءوا بالبيان الكافي فأقبل بمجموعه تلبيـة لله ، و" تفليس إبليس " للشيخ عز الدين عبد السلام بن أحمد بن غانم المقدسى (ت 978هـ) و " رسالة إبليس إلي إخوانه المناحيس" للحاكم أبي سعد المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي البيهقي (ت 494هـ).