مسائل عائلية في الأغنية المصرية
بقلم: إبراهيم كامل أحمد
"
الست توحيدة تحذر البنات من فخ الزواج !" الزواج حلم كل فتاة، ولكن "الست توحيدة" لها رأي آخر، وقد عبرت عنه بالغناء، فهي واحدة من "العوالم المغنيات" . . ففي أغنيتها تدعو البنات إلى عدم الزواج بالمرة لأن الزواج سينتهي في الأسبوع السادس بالعودة إلى بيت الأب بعد معاناة من مضايقات الحماة التي قد تزيد عليها مضايقة الضرة كخاتمة مأساوية للزواج.. ويبدو أن "الست توحيدة" لم تكن من المؤمنين بالمثل الشعبي "ظل راجل ولا ظل حيطة" أو المثل العربي "رجل من عود خير من قعود" ، لذا شدت بأغنيتها:
مــاتـحـسـبــوش يـا بـنـات إن الـجـــواز ده راحــــــة
أول أســبــــوع يـا بـنــات عـلــى الـفــرش مـرتـاحــة
تـانــي أسـبــوع يـا بـنــات خـــوخـــة وتـفـاحـــــة
تـالــت أسـبــوع يـا بـنــات حـمـاتــي رداحـــــــــة
رابـــع أسـبــوع يـا بـنــات فـي الـبـيــت نــواحـــــة
خــامس أسـبــوع يـا بـنــات عـلـى الـقـاضــي سـواحــة
ســادس أسـبــوع يـا بـنــات عـلـي بـيـت أبــوها راحـــة
مــافيش لـــزوم يـا بـنــات تـتـجــوزوا بـالــمـــــرة
إن كـان جــوازكم يـا بـنـــات حـيـكــون كـــده عــــرة
وتـبـقـوا عـايـشـيـن يا بنـات فـي الـعـيـشــة دي الـمــرة
وتـكـون آخـرتـهــا يـا بنـات تـنـطــردوا وتـخـرجـوا بـره
دي الجـــوازة دي يـا بنـــات اسـمـهــا جـنــازة حـــارة
ويـمـكــن تـخـتــم يا بنــات بـمـضــايـقــة الـضــــرة
بالصوت والصورة ومن الطريف أن الشاعر الراحل "صلاح جاهين" قد استعار مطلع أغنية "الست توحيدة" (ما تحسبوش يا بنات أن الجواز راحة) ونظم أغنية لحنها "هاني شنودة" وغناها فريق "المصريين" وسجلت بالصوت والصورة الملونة، وهذا ترف لم يخطر على خيال "الست توحيدة"، ولكن يبقي لها فضل السبق.
ولكن ننصح البنات ألا يستمعن لنصيحة "الست توحيدة" بل يستمعن إلى المثل الفرنسي القائل: "الزواج أمر هام ولا مفر منه"، وإلى الشاعر الذي قال:
لـولا الـزواج لمـا كنـا ولا كانـت هـذي البـلاد ولا شيـدت مبانيهــا
أن الزواج يصون النفس يعصمهـــا عمـا يحـط بعلياهــا ويزريهـــا
الويل للزوج ويل للزوج الذي لا يلبي رغبات زوجته ، ولا يجيب مطالبها أو يقصر، وما أكثر تلك الرغبات والمطالب!! فهذا "شكسبير" وهو بالنساء خبير يقول: "لا تطلب الفتاة من الدنيا إلا زوجاً فإذا جاء طلبت كل شيء".. ولعل الأغنية الشعبية المصرية المرحة "على رطل ونص" خير شاهد على ما يمكن أن يلقاه الزوج المسكين الذي تظن الزوجة أنه قصر في تلبية رغبة لها.. فالزوج اشترى رطلاً ونصف رطل من اللحم.. فعملت له الزوجة "فضيحة بجلاجل"، فضيحة تغني بها أهل زمانه، وبقيت حية في ذاكرة الأيام.. تقول الفضيحة "عفواً الأغنية":
عـمــال يـبــرم شـنـبـاتــه عـلــى رطـــل ونـــــص
عـمــال يـقـولـلي غـديـنــي عـلــى رطـــل ونـــــص
عـــازم حـمـاتـه واخـت مراته عـلــى رطـــل ونـــــص
جــايـب أمـيـنــة الصيرفيــة عـلــى رطـــل ونـــــص
داخــل مـنـفـوخ وطـالع منفوخ عـلــى رطـــل ونـــــص
درس مكلف ومن المؤكد أن الزوج قد وعي الدرس، وندم على ما فعل، ولن يعود لمثلها أبداً هو أو غيره من الأزواج، أما "أمينة الصيرفية" التي ذُكرت في الأغنية فهي واحدة من ألمع العوالم الرئيسات، وكانت تتنافس هي و "بمبة كشر" على عرش العوالم، وقد تفوقت على منافستها لأنها كانت تحظى بعطف السراي الخديوية، وهي صاحبة أغنية "يانخلتين في العلالي يا بلحهم دوا"، ولذا ليس من مقامها العالي رطل ونصف رطل من اللحم وقد غنت "وردة الجزائرية" أغنية "يا نخلتين في العلالي" مرة أخرى.
مشكلة الحماة تعد الحماة مشكلة من المشاكل المزمنة في حياة الأسرة، سواء كانت أم الزوج أو أم الزوجة.. وتعد الحماة كذلك ملهمة لكثير من المبدعين في مجال الكتابة.. لذلك تواجدت الحماة في الأغنية والقصة والمسرحية والأفلام السينمائية والتمثيلية التلفزيونية. وقد غنى "زكي مراد" والد المغنية "ليلي مراد" والملحن "منير مراد" أغنية عن الحماة، مطلعها "حماتي يانينة قوية" تشكو فيها زوجة لأمها ما تقاسيه من حماتها، فأحيانا تقذفها بيد الهاون وفي ذلك الوقت كان الهاون من النحاس، وكان ثقل الهاون يعكس يسار أهل الزوجة، فالحماة كانت تقصف الزوجة بمدفعية الهاون المنزلية، إلى جانب تنغيص حياتها والتواجد حتى في أكثر الأوقات خصوصية، وعلاوة على ذلك فهي تتهم زوجة ابنها بأنها تنهبه وستقوده إلى الخراب.. ولنستمع إلى الزوجة وهي تشكو لأمها:
حـمـاتــي يـا نـيـنـة قويــة مـاأقـدرش أنـا علـى العيشة ديـا
مـجـنـنــانــي مـعـذبــاني ولا سـاعــة يـا نينة هنيــــة
مــرة أنــا فـي الـبـلـكــون زقـلـتـنــي بـإيـد الهــــون
أمــا وقـاحــة مـعــدش راحة متختشيش رايحـــــة وجايـــة
حـمـاتــي يـا نـيـنـة قويــة
فـضـلـت أبكـي وأنـوح وأشكـي دمــوعـــي جـرحـت عينيــا
حـمـاتــي يـا نـيـنـة قويــة
لـيـلاتــي تـخــش عليــــا وأنا وحبيبي في النامـوسـيــــة
حـتـمــوتـنــي حـتـجـنـني وسـيـبـتــه مـن بيـن إيديــا
حـمـاتــي يـا نـيـنـة قويــة
يـا ناس خـلـتـنـي بافصل بدلـة قالت لي خليكي عـاقـلـــــــة
حـتـنـهـبـيــه هـتـخـربيـه ضـيـعـتــي نـص الماهيـــة
حـمـاتــي يـا نـيـنـة قويــة
مسكينة الحماة مسكينة الحماة وبالذات أم الزوج فهي متهمة دائماً، ولا ترضي بها الزوجة حتى لو كانت ملاكاً من السماء، وتدعو عليها أن يرزقها الله بعفريت قاس، ولا يشمت فيها أحد إلا هي.. لأنها تريد أن تستأثر بكل الشماتة في حماتها.. وها هي الزوجة الصعيدية تشدو بأغنية "الحما ياما من الحما" وهي تشكو لأمها:
الـحـمــا يـامــا مـن الحمــا ولــو كـانــت ملكـة مـن السما
خـلـيـتـنـي جاعـده في الحمـام رجعتني عشرين كف تمــــــام
يـرزجهــا بـعـفــريـت جـوام ولا يفــرح فيهـــا إلا أنــــا
الحما ياما من الحما
خليتنــي جاعــده أغسل راســي دلجــــت على البلاصـــــي
يـرزجهــا الله بعفريت جاســـي ولا يشمــت فـيـهـا إلا أنــــا
الحما ياما من الحما
صلح الزوجة تناولت الأغنية الشعبية جانباً آخراً من الحياة الأسرية وهي الخلافات الزوجية، وما قد تتطور إليه من ضرب الزوج للزوجة ثم يتصالح الزوجان فيقدم الزوج للزوجة "الصلحة" وهي قرط (حلق) أو خلخال أو أي هدية يترضاها بها:
تـضــــربـنـــي ليــــه .. يــاسـعــادة الـــبـيــــه
وأنـــا لــســــه صغـــار .. وبـــلاش هــــــــــزار
جــاب لـــي الحلـــــــق .. عـلـــى خــــدي بــــرق
هــــــو الــحــلـــــق .. صـــلــحــتـي ولا ايــــه
جـــاب لـــي الـخـلـخــال .. عـلـى قـــــدي تـمــــام
هـــــو الـخـلـخــــــال .. صـلـحـتــي ولا ايـــــــه
وهكذا قدمت لنا الأغنية الشعبية وجهة نظر المرأة المصرية في الزواج والزوج والحماة والخلافات الزوجية.. ورغم أن هذه الأغاني كانت شائعة في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين إلا أن مضمونها يمتد إلى قرون سابقة، ويمتد إلى قرون لاحقة حتى قيام الساعة.